استكشاف علاقة الله بالزمن
من أكثر الأسئلة المحيرة في الفلسفة واللاهوت هي العلاقة بين الله والزمن. كيف يمكن لكائن أبدي أن يتفاعل مع عالم مقيد بالزمن؟ هل الله موجود خارج الزمن أم أنه داخله بطريقة ما؟ هذه أسئلة عميقة تتحدى فهمنا للوقت نفسه ومفهومنا عن الله. في هذه المقالة، سوف نستكشف العلاقة المعقدة بين الله والوقت، مع التركيز على رؤيتين متميزتين للوقت تشكلان كيفية فهمنا لهذه العلاقة.
ما هو الوقت؟
قبل الغوص في دور الله في الزمن، من الضروري أن نفهم ما هو الزمن نفسه. لقد ناقش الفلاسفة منذ فترة طويلة طبيعة الوقت، مع ظهور نظريتين أساسيتين: **النظرية الديناميكية للزمن (وتسمى أيضًا النظرية أ)** و **نظرية الزمن الثابتة أو عديمة التوتر (وتسمى أيضًا النظرية ب) **. تقدم هذه النظريات وجهات نظر مختلفة جذريًا حول كيفية إدراكنا للماضي والحاضر والمستقبل، وهو ما يؤثر بدوره على كيفية تفكيرنا في علاقة الله بالزمن.
العرض الديناميكي (النظرية أ) للزمن
**نظرية الزمن أ**، المعروفة أيضًا باسم النظرية الديناميكية، تنص على أن الوقت ينقسم إلى ثلاث فئات حقيقية وموضوعية: **الماضي، والحاضر، والمستقبل**. ووفقاً لهذا الرأي، فإن الماضي لم يعد حقيقياً، والمستقبل لم يصبح حقيقياً بعد، والحاضر وحده هو الموجود حقاً.
في النظرية أ، يتدفق الوقت مثل النهر. اللحظات تأتي إلى الوجود مع تقدم الحاضر، وتختفي بمجرد مرورها بالماضي. يُعرف مفهوم الزمن هذا بـ **الصيرورة الزمنية**، حيث تظهر الأشياء والأحداث ثم تختفي من الوجود. إنها وجهة النظر المنطقية للوقت التي يشترك فيها معظم الناس بشكل طبيعي.
يتردد صدى هذا الرأي لدى الكثيرين لأنه يتوافق مع التجارب اليومية. نحن نرى الماضي وكأنه ذهب، والحاضر عابرًا، والمستقبل احتمالًا مجهولًا. ولكن عندما نبدأ بالتساؤل كيف يتناسب الله مع هذا الفهم للوقت، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا.
العرض الثابت (نظرية ب) للزمن
تقدم **نظرية الزمن ب** منظورًا مختلفًا وأكثر تحديًا. في هذا الرأي، الوقت لا يتدفق. وبدلاً من ذلك، **كل النقاط الزمنية — الماضي والحاضر والمستقبل — حقيقية بنفس القدر**. لا يوجد خلق أو فناء؛ بل إن كل اللحظات الزمنية تتعايش فيما يمكن اعتباره **كتلة رباعية الأبعاد**.
بكل بساطة، بينما نختبر الأحداث بشكل تسلسلي – الولادة، الطفولة، البلوغ، وما إلى ذلك – تفترض نظرية ب أن كل هذه الأحداث موجودة في وقت واحد من “نظرة عين الله”. من وجهة النظر هذه، الوقت يشبه **كتلة** حيث كل لحظة متساوية في الواقع، وتدفق الوقت هو مجرد وهم خلقه الوعي البشري.
الله والزمن: ما هي النظرية المناسبة؟
وعندما ننظر إلى هاتين النظرتين للزمن، يبرز السؤال: **كيف يرتبط الله بالزمن؟ ** هل يختبر الزمن مثلنا، في حاضر متدفق، أم أنه خارج الزمن، يرى كل اللحظات في وقت واحد؟
الله في النظرة الديناميكية للزمن
إذا كان الله موجودًا في نظرية الزمن، فهو يختبر العالم مثلما نفعل نحن. في هذه الحالة، **سوف يختبر الله الصيرورة الزمنية** — بمعنى أنه سيعرف ما يحدث الآن، وما حدث بالفعل، وما سيأتي بعد.
ومن هذا المنظور، **يمكن لله أن يتصرف في الحاضر** ويتدخل في تاريخ البشرية، لكنه سيكون أيضًا على دراية بالماضي والمستقبل. وهذا يطرح السؤال: **هل خلق الله الزمن؟** إذا كان الله موجوداً في الزمن فكيف يكون خالقاً له؟ تشير هذه الرؤية إلى أن **الله بدأ الزمن في لحظة الخلق** وهو الآن يتفاعل معه كما نفعل نحن، ولكن بطريقة أكثر كمالا وشمولا.
ومع ذلك، فإن النظرية “أ” لها تحدياتها. على سبيل المثال، إذا كان الله مقيدًا بالزمن، فهل يتغير بمرور الوقت؟ هل ينمو في المعرفة أم يتغير استجابة للأحداث، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني ذلك بالنسبة لطبيعته الأبدية وغير المتغيرة؟
الله في النظرة الثابتة للزمن
تقدم نظرية ب نهجا مختلفا. ومن هذا المنظور، **الله موجود خارج الزمن** تمامًا. فهو لن يختبر الأحداث بشكل متتابع، بل سيرى الزمن بأكمله – الماضي والحاضر والمستقبل – ** كلها مرة واحدة **.
وهذا يتناسب تمامًا مع فكرة وجود إله أبدي كلي العلم. وبما أن كل اللحظات الزمنية حقيقية بنفس القدر، فإن الله لا يحتاج إلى الانتظار حتى تتكشف الأحداث. إنه يعرف بالفعل كل ما حدث وسيحدث لأنه يرى “كتلة” الزمن كاملة. ويشير هذا الرأي إلى أن **خلق الله الزمن كجزء من الكون** ولكنه غير مقيد به.
تسمح النظرية الساكنة بوجود إله غير قابل للتغيير، ولا يختبر الزمن بالطريقة التي نختبرها نحن. على سبيل المثال، لا ينتظر الله حدوث المستقبل، لأن المستقبل، من وجهة نظره، موجود بالفعل.
الآثار اللاهوتية لله والزمن
كلا وجهتي النظر للزمن تثير أسئلة لاهوتية رائعة حول طبيعة الله. في النظرية الديناميكية، تبدو مشاركة الله في العالم أكثر إلحاحًا، ولكنها تعني أيضًا أنه موجود داخل الزمن. تحافظ النظرية الساكنة على سمو الله ولكنها تجعل علاقته بأحداث التاريخ التي تتكشف أكثر بعدًا.
أحد الأسئلة المهمة هو **ما إذا كان الله يستطيع التصرف داخل الزمن** إذا كان موجودًا خارجه. ومن وجهة النظر الثابتة، فإن طبيعة الله الأبدية تبدو وكأنها قد أزيلت من تدفق الزمن اليومي. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه بعيد. وبدلاً من ذلك، يمكن فهم أفعاله على أنها جزء من كتلة الزمن الكاملة التي خلقها وأدامها.
الخلق وبداية الزمان
وفي كلتا الحالتين، فإن عقيدة **الخلق من العدم** (الخلق من العدم) تعلم أن **الله لم يخلق الكون فحسب، بل خلق الزمن نفسه أيضًا**. بدأ الزمن منذ لحظة الخلق، مما جعل الله مصدره النهائي. إذا كان الله موجودًا خارج الزمن، فإن الزمن ببساطة هو أحد مخلوقاته، مثل المكان والمادة.
إذا كان الله موجودًا ضمن النظرية أ، فإن الزمن هو شيء يحكمه من الداخل. ربما هو الذي خلقها، لكنه يشارك أيضًا في تدفقها. في النظرية ب، الزمن جزء من البنية رباعية الأبعاد التي يجمعها الله معًا، وهو يرى كل ذلك في وقت واحد.
الخلاصة: الزمن وطبيعة الله الأبدية
تظل العلاقة بين الله والزمن من أكثر المواضيع تعقيدًا في اللاهوت والفلسفة. سواء اشتركت في **النظرية أ الديناميكية** أو **النظرية ب الثابتة**، فكلاهما يقدم وجهات نظر مثيرة للتفكير حول كيفية تفاعل الله مع خليقته. ومن وجهة النظر الديناميكية، فإن الله يشاركنا في اللحظة الحاضرة. في النظرة الثابتة، يقف الله فوق الزمن، ويرى كل اللحظات في وقت واحد.
وفي النهاية، تذكرنا هذه المنظورات بسر طبيعة الله. سواء كان موجودًا داخل الزمن أو خارجه، فإن **دور الله باعتباره خالق الزمن** يؤكد على قدرته المطلقة وطبيعته الأبدية. للتعمق أكثر في هذه المناقشة، تأكد من مشاهدة الفيديو الكامل هنا: William Lane Craig – هل خلق الله الزمن؟.